فصل: فصل: لا يجوز لتارك ركن من الأفعال إمامة أحد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة

قال‏:‏ ‏[‏فإن ابتدأ الصلاة قائما ثم اعتل فجلس‏,‏ ائتموا خلفه قياما‏]‏ إنما كان كذلك لأن أبا بكر حيث ابتدأ بهم الصلاة قائما ثم جاء النبي - صلى الله عليه وسلم- فأتم الصلاة بهم جالسا أتموا قياما‏,‏ ولم يجلسوا ولأن القيام هو الأصل فمن بدأ به في الصلاة لزمه في جميعها إذا قدر عليه كالتنازع في صلاة المقيم يلزمه إتمامها‏,‏ وإن حدث مبيح القصر في أثنائها‏.‏

فصل

فإن استخلف بعض الأئمة في زماننا ثم زال عذره فحضر فهل يجوز أن يفعل كفعل النبي - صلى الله عليه وسلم- مع أبي بكر‏؟‏ فيه روايتان‏:‏ إحداهما‏,‏ ليس له ذلك قال أحمد في رواية أبي داود‏:‏ ذلك خاص للنبى - صلى الله عليه وسلم- دون غيره لأن هذا أمر يخالف القياس فإن انتقال الإمام مأموما‏,‏ وانتقال المأمومين من إمام إلى آخر لا يجوز إلا لعذر يحوج إليه وليس في تقديم الإمام الراتب ما يحوج إلى هذا‏,‏ أما النبي - صلى الله عليه وسلم- فكانت له من الفضيلة على غيره وعظم التقدم عليه ما ليس لغيره‏,‏ ولهذا قال أبو بكر‏:‏ ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والثانية‏:‏ يجوز ذلك لغيره قال أحمد في رواية أبي الحارث‏:‏ من فعل كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يكبر ويقعد إلى جنب الإمام‏,‏ يبتدئ القراءة من حيث بلغ الإمام ويصلى للناس قياما وذلك لأن الأصل أن ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم- كان جائزا لأمته ما لم يقم دليل على اختصاصه به وفيه رواية ثالثة‏,‏ أن ذلك لا يجوز إلا للخليفة دون بقية الأئمة قال في رواية المروذي‏:‏ ليس هذا لأحد إلا للخليفة وذلك لأن رتبة الخلافة تفضل رتبة سائر الأئمة فلا يلحق بها غيرها وكان ذلك للخليفة لأن خليفة النبي - صلى الله عليه وسلم- يقوم مقامه‏.‏

فصل

ويجوز للعاجز عن القيام أن يؤم مثله لأنه إذا أم القادرين على القيام فمثله أولى‏,‏ ولا يشترط في اقتدائهم به أن يكون إماما راتبا ولا مرجوا زوال مرضه لأنه ليس في إمامته لهم ترك ركن مقدور عليه بخلاف إمامته للقادرين على القيام‏.‏

فصل

ولا يجوز لتارك ركن من الأفعال إمامة أحد‏,‏ كالمضطجع والعاجز عن الركوع والسجود وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وقال الشافعي‏:‏ يجوز لأنه فعل أجازه المرض‏,‏ فلم يغير حكم الائتمام كالقاعد بالقيام ولنا أنه أخل بركن لا يسقط في النافلة فلم يجز للقادر عليه الائتمام به‏,‏ كالقارئ بالأمى وحكم القيام حق بدليل سقوطه في النافلة وعن المقتدين بالعاجز‏,‏ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر المصلين خلف الجالس بالجلوس ولا خلاف في أن المصلى خلف المضطجع لا يضطجع فأما إن أم مثله فقياس المذهب صحته لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى بأصحابه في المطر بالإيماء‏,‏ والعراة يصلون جماعة بالإيماء وكذلك حال المسايفة‏.‏

فصل

ويصح ائتمام المتوضئ بالمتيمم لا أعلم فيه خلافا لأن عمرو بن العاص صلى بأصحابه متيمما‏,‏ وبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم- فلم ينكره وأم ابن عباس أصحابه متيمما وفيهم عمار بن ياسر في نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فلم ينكروه ولأنه متطهر طهارة صحيحة‏,‏ فأشبه المتوضئ ولا يصح ائتمام الصحيح بمن به سلس البول ولا غير المستحاضة بها‏:‏ لأنهما يصليان مع خروج الحدث من غير طهارة له بخلاف المتيمم فأما من كانت عليه نجاسة‏,‏ فإن كانت على بدنه فتيمم لها جاز للطاهر الائتمام به عند القاضي لأنه كالمتيمم للحدث وعلى قياس قول أبي الخطاب لا يجوز الائتمام به لأنه أوجب عليه الإعادة وإن كانت على ثوبه لم يصح الائتمام به لأنه تارك لشرط ولا يجوز ائتمام المتوضئ ولا المتيمم بعادم الماء والتراب‏,‏ واللابس بالعارى ولا القادر على الاستقبال بالعاجز عنه لأنه تارك لشرط يقدر عليه المأموم فأشبه المعافى بمن به سلس البول ويصح ائتمام كل واحد من هؤلاء بمثله لأن العراة يصلون جماعة‏,‏ وقد سبق هذا‏.‏

فصل

وفي صلاة المفترض خلف المتنفل روايتان‏:‏ إحداهما‏:‏ لا تصح نص عليه أحمد في رواية أبي الحارث وحنبل واختارها أكثر أصحابنا وهذا قول الزهري‏,‏ ومالك وأصحاب الرأي لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه‏)‏ متفق عليه ولأن صلاة المأموم لا تتأدى بنية الإمام‏,‏ أشبه صلاة الجمعة خلف من يصلي الظهر والثانية‏:‏ يجوز نقلها إسماعيل بن سعيد ونقل أبو داود قال‏:‏ سمعت أحمد سئل عن رجل صلى العصر ثم جاء فنسي‏,‏ فتقدم يصلي بقوم تلك الصلاة ثم ذكر لما أن صلى ركعة فمضى في صلاته‏؟‏ قال‏:‏ لا بأس وهذا قول عطاء‏,‏ وطاوس وأبي رجاء والأوزاعي‏,‏ والشافعي وسليمان بن حرب وأبي ثور‏,‏ وابن المنذر وأبي إسحاق الجوزجاني وهي أصح لما روى جابر بن عبد الله ‏(‏أن معاذا كان يصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ثم يرجع فيصلى بقومه تلك الصلاة‏)‏ متفق عليه وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه ‏(‏صلى بطائفة من أصحابه في الخوف ركعتين‏,‏ ثم سلم ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين ثم سلم‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ والأثرم والثانية منهما تقع نافلة وقد أم بها مفترضين وروي عن أبي خلدة قال‏:‏ أتينا أبا رجاء لنصلى معه الأولى‏,‏ فوجدناه قد صلى فقلنا‏:‏ جئناك لنصلى معك فقال‏:‏ قد صلينا ولكن لا أخيبكم فأقام فصلى وصلينا معه رواه الأثرم ولأنهما صلاتان اتفقتا في الأفعال‏,‏ فجاز ائتمام المصلى في إحداهما بالمصلى في الأخرى كالمتنفل خلف المفترض فأما حديثهم فالمراد به لا تختلفوا عليه في الأفعال‏,‏ بدليل قوله‏:‏ ‏(‏فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا سجد فاسجدوا‏,‏ وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون‏)‏ ولهذا يصح ائتمام المتنفل بالمفترض مع اختلاف نيتهما وقياسهم ينتقض بالمسبوق في الجمعة يدرك أقل من ركعة‏,‏ ينوي الظهر خلف من يصلي الجمعة.

فصل

ولا يختلف المذهب في صحة صلاة المتنفل وراء المفترض ولا نعلم بين أهل العلم فيه اختلافا وقد دل عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏ألا رجل يتصدق على هذا فيصلى معه‏)‏ والأحاديث التي في إعادة الجماعة‏,‏ ولأن صلاة المأموم تتأدى بنية الإمام بدليل ما لو نوى مكتوبة فبان قبل وقتها‏.‏

فصل

فإن صلى الظهر خلف من يصلي العصر‏,‏ ففيه أيضا روايتان‏:‏ نقل إسماعيل بن سعيد جوازه ونقل غيره المنع منه ونقل إسماعيل بن سعيد قال‏:‏ قلت لأحمد‏:‏ فما ترى إن صلى في رمضان خلف إمام يصلي بهم التراويح‏؟‏ قال‏:‏ يجوز ذلك من المكتوبة وقال في رواية المروذي‏:‏ لا يعجبنا أن يصلي مع قوم التراويح ويأتم بها للعتمة وهذه فرع على ائتمام المفترض بالمتنفل‏,‏ وقد مضى الكلام فيها‏.‏

فصل

فإن كانت إحدى الصلاتين تخالف الأخرى في الأفعال كصلاة الكسوف أو الجمعة‏,‏ خلف من يصلي غيرهما وصلاة غيرهما وراء من يصليهما لم تصح‏,‏ رواية واحدة لأنه يفضي إلى مخالفة إمامه في الأفعال وهو منهى عنه‏.‏

فصل

ومن صلى الفجر ثم شك‏,‏ هل طلع الفجر أو لا‏؟‏ أو شك في صلاة صلاها هل فعلها في وقتها أو قبله‏؟‏ لزمته إعادتها وله أن يؤم في الإعادة من لم يصل وقال أصحابنا‏:‏ يخرج على الروايتين في إمامة المتنفل مفترضا ولنا أن الأصل بقاء الصلاة في ذمته‏,‏ ووجوب فعلها فيصح أن يؤم فيها مفترضا كما لو شك‏,‏ هل صلى أم لا‏؟‏ ولو فاتت المأموم ركعة فصلى الإمام خمسا ساهيا فقال ابن عقيل‏:‏ لا يعتد للمأموم بالخامسة لأنها سهو وغلط وقال القاضي‏:‏ هذه الركعة نافلة له وفرض للمأموم فيخرج فيها الروايتان وقد سئل أحمد عن هذه المسائل‏,‏ فتوقف فيها والأولى أن يحتسب له بها لأنه لو لم يحتسب له بها للزمه أن يصلي خمسا مع علمه بذلك‏,‏ ولأن الخامسة واجبة على الإمام عند من يوجب عليه البناء على اليقين وعند استواء الأمرين عنده ثم إن كانت نفلا‏,‏ فالصحيح صحة الائتمام به وقوله‏:‏ إنه غلط قلنا‏:‏ لا يخرجه الغلط عن أن يكون نفلا مثابا فيه فلذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏كانت الركعة والسجدتان نافلة له‏)‏ وإن صلى بقوم الظهر يظنها العصر فقال أحمد‏:‏ يعيد ويعيدون وهذا على الرواية التي منع فيها ائتمام المفترض بالمتنفل فإن ذكر الإمام وهو في الصلاة‏,‏ فأتمها عصرا كانت له نافلة وإن قلب نيته إلى الظهر‏,‏ بطلت صلاته لما ذكرناه متقدما وقال ابن حامد‏:‏ يتمها والفرض باق في ذمته‏.‏

فصل

ولا يصح ائتمام البالغ بالصبى في الفرض نص عليه أحمد وهو قول ابن مسعود وابن عباس وبه قال عطاء‏,‏ ومجاهد والشعبي ومالك‏,‏ والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأجازه الحسن‏,‏ والشافعي وإسحاق وابن المنذر ويتخرج لنا مثل ذلك بناء على إمامة المتنفل للمفترض ووجه ذلك عموم قوله‏:‏ ‏(‏يؤمكم أقرؤكم لكتاب الله تعالى‏)‏ وهذا داخل في عمومه وروى عمرو بن سلمة الجرمي‏,‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال لقومه‏:‏ ‏(‏يؤمكم أقرؤكم قال‏:‏ فكنت أؤمهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين‏)‏ رواه أبو داود وغيره ولأنه يؤذن للرجال فجاز أن يؤمهم كالبالغ ولنا قول ابن مسعود وابن عباس‏,‏ ولأن الإمامة حال كمال والصبى ليس من أهل الكمال فلا يؤم الرجال كالمرأة‏,‏ ولأنه لا يؤمن من الصبى الإخلال بشرط من شرائط الصلاة أو القراءة حال الإسرار فأما حديث عمرو بن سلمة الجرمى فقال الخطابي‏:‏ كان أحمد يضعف أمر عمرو بن سلمة وقال مرة‏:‏ دعه ليس بشيء بين وقال أبو داود‏:‏ قيل لأحمد‏:‏ حديث عمرو بن سلمة‏؟‏ قال‏:‏ لا أدرى أي شيء هذا ولعله إنما توقف عنه لأنه لم يتحقق بلوغ الأمر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فإنه كان بالبادية في حى من العرب بعيد من المدينة‏,‏ وقوى هذا الاحتمال قوله في الحديث‏:‏ وكنت إذا سجدت خرجت استى وهذا غير سائغ‏.‏

فصل

فأما إمامته في النفل ففيها روايتان‏:‏ إحداهما لا تصح لما ذكرنا في الفرض والثانية تصح لأنه متنفل يؤم متنفلين‏,‏ ولأن النافلة يدخلها التخفيف ولذلك تنعقد الجماعة به فيها إذا كان مأموما‏.‏

فصل

يكره أن يؤم قوما أكثرهم له كارهون لما روى أبو أمامة قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم‏:‏ العبد الآبق حتى يرجع‏,‏ وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وإمام قوم وهم له كارهون‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن غريب وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏ثلاثة لا تقبل منهم صلاة‏:‏ من تقدم قوما هم له كارهون‏,‏ ورجل يأتي الصلاة دبارا - والدبار‏:‏ أن يأتي بعد أن يفوته الوقت - ورجل اعتبد محررا‏)‏ رواه أبو داود وقال على لرجل أم قوما وهم له كارهون‏:‏ إنك لخروط قال أحمد -رحمه الله-‏:‏ إذا كرهه واحد أو اثنان أو ثلاثة فلا بأس حتى يكرهه أكثر القوم‏,‏ وإن كان ذا دين وسنة فكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته قال منصور‏:‏ أما إنا سألنا أمر الإمامة فقيل لنا‏:‏ إنما عنى بهذا الظلمة فأما من أقام السنة فإنما الإثم على من كرهه‏.‏

فصل

ولا تكره إمامة الأعرابي إذا كان يصلح لها نص عليه وهذا قول عطاء‏,‏ والثوري والشافعي وإسحاق‏,‏ وأصحاب الرأي وكره أبو مجلز إمامته وقال مالك‏:‏ لا يؤمهم‏,‏ وإن كان أقرأهم لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله‏}‏ ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى‏)‏ ولأنه مكلف من أهل الإمامة أشبه المهاجر‏,‏ والمهاجر أولى منه لأنه يقدم على المسبوق بالهجرة فمن لا هجرة له أولى قال أبو الخطاب‏:‏ والحضرى أولى من البدوى لأنه مختلف في إمامته ولأن الغالب جفاؤهم‏,‏ وقلة معرفتهم بحدود الله‏.‏

فصل

ولا تكره إمامة ولد الزنا إذا سلم دينه قال عطاء‏:‏ له أن يؤم إذا كان مرضيا وبه قال سليمان بن موسى والحسن‏,‏ والنخعي والزهري وعمرو بن دينار‏,‏ وإسحاق وقال أصحاب الرأي‏:‏ لا تجزئ الصلاة خلفه وكره مالك أن يتخذ إماما راتبا وكره الشافعي إمامته لأن الإمامة موضع فضيلة فكره تقديمه فيها كالعبد ولنا قوله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله‏)‏ وقالت عائشة‏:‏ ليس عليه من وزر أبويه شيء وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تزر وازرة وزر أخرى‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏إن أكرمكم عند الله أتقاكم‏}‏ والعبد لا تكره إمامته‏,‏ وإنما الحر أولى منه ثم إن العبد ناقص في أحكامه لا يلي النكاح ولا المال‏,‏ ولا تقبل شهادته في بعض الأشياء بخلاف هذا‏.‏

فصل

ولا تكره إمامة الجندى والخصى إذا سلم دينهما لما ذكرنا في العبد ولأنه عدل من أهل الإمامة‏,‏ أشبه غيره‏.‏

فصل

من شرط صحة الجماعة أن ينوي الإمام والمأموم حالهما فينوي الإمام أنه إمام والمأموم أنه مأموم‏,‏ فإن صلى رجلان ينوي كل واحد منهما أنه إمام صاحبه أو مأموم له فصلاتهما فاسدة نص عليهما لأنه ائتم بمن ليس بإمام في الصورة الأولى‏,‏ وأم من لم يأتم به في الثانية ولو رأى رجلين يصليان فنوى الائتمام بالمأموم لم يصح لأنه ائتم بمن لم ينو إمامته وإن نوى الائتمام بأحدهما لا بعينه‏,‏ لم يصح حتى يعين الإمام لأن تعيينه شرط وإن نوى الائتمام بهما معا لم يصح‏,‏ لأنه نوى الائتمام بمن ليس بإمام ولأنه نوى الائتمام باثنين ولا يجوز الائتمام بأكثر من واحد ولو نوى الائتمام بإمامين‏,‏ لم يجز لأنه لا يمكن اتباعهما معا‏.‏

فصل

ولو أحرم منفردا ثم جاء آخر فصلى معه فنوى إمامته صح في النفل نص عليه أحمد واحتج بحديث ابن عباس‏,‏ وهو ‏(‏أن ابن عباس قال‏:‏ بت عند خالتى ميمونة فقام النبي - صلى الله عليه وسلم- متطوعا من الليل‏,‏ فقام إلى القربة فتوضأ فقام فصلى فقمت لما رأيته صنع ذلك فتوضأت من القربة‏,‏ ثم قمت إلى شقه الأيسر فأخذ بيدى من وراء ظهره يعدلنى كذلك إلى الشق الأيمن‏)‏ متفق عليه وهذا لفظ رواية مسلم فأما في الفريضة فإن كان ينتظر أحدا كإمام المسجد يحرم وحده وينتظر من يأتي فيصلى معه‏,‏ فيجوز ذلك أيضا نص عليه أحمد لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أحرم وحده ثم جاء جابر وجبارة فأحرما معه فصلى بهما‏,‏ ولم ينكر فعلهما والظاهر أنها كانت صلاة مفروضة لأنهم كانوا مسافرين وإن لم يكن كذلك فقد روى عن أحمد أنه لا يصح‏,‏ هذا قول الثوري وإسحاق وأصحاب الرأي‏,‏ في الفرض والنفل جميعا لأنه لم ينو الإمامة في ابتداء الصلاة فلم يصح كما لو ائتم بمأموم وروي عن أحمد أنه قال‏:‏ في النفس منها شيء مع أن حديث ابن عباس يقويه وهذا مذهب الشافعي‏,‏ وهو الصحيح -إن شاء الله تعالى- لأنه قد ثبت في النفل بحديث ابن عباس وحديث عائشة‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل وجدار الحجرة قصير فرأى الناس شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏,‏ فقام أناس يصلون بصلاته‏)‏ وقد ذكرناه والأصل مساواة الفرض للنفل في النية وقوى ذلك حديث جابر وجبارة في الفرض ولأن الحاجة تدعو إلى نقل النية إلى الإمامة فصح كحالة الاستخلاف‏,‏ وبيان الحاجة أن المنفرد إذا جاء قوم فأحرموا وراءه فإن قطع الصلاة وأخبر بحاله قبح وكان مرتكبا للنهى بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تبطلوا أعمالكم‏}‏ وإن أتم الصلاة بهم‏,‏ ثم أخبرهم بفساد صلاتهم كان أقبح وأشق ولأن الانفراد أحد حالتى عدم الإمامة في الصلاة فجاز الانتقال منها إلى الإمامة كما لو كان مأموما‏,‏ وقياسهم ينتقض بحالة الاستخلاف‏.‏

فصل

وإن أحرم منفردا ثم نوى جعل نفسه مأموما بأن يحضر جماعة‏,‏ فينوي الدخول معهم في صلاتهم ففيه روايتان‏:‏ إحداهما هو جائز‏,‏ سواء كان في أول الصلاة أو قد صلى ركعة فأكثر لأنه نقل نفسه إلى الجماعة فجاز‏,‏ كما لو نوى الإمامة والثانية لا يجوز لأنه نقل نفسه إلى جعله مأموما من غير حاجة فلم يجز كالإمام‏,‏ وفارق نقله إلى الإمامة لأن الحاجة داعية إليه فعلى هذا يقطع صلاته ويستأنف الصلاة معهم قال أحمد‏,‏ في رجل دخل المسجد فصلى ركعتين أو ثلاثا ينوي الظهر‏,‏ ثم جاء المؤذن فأقام الصلاة‏:‏ سلم من هذه وتصير له تطوعا ويدخل معهم قيل له‏:‏ فإن دخل في الصلاة مع القوم‏,‏ واحتسب به قال‏:‏ لا يجزئه حتى ينوي بها الصلاة مع الإمام في ابتداء الفرض‏.‏

فصل

وإن أحرم مأموما ثم نوى مفارقة الإمام وإتمامها منفردا لعذر‏,‏ جاز لما روى جابر قال‏:‏ ‏(‏كان معاذ يصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم‏,‏ فأخر النبي - صلى الله عليه وسلم- صلاة العشاء فصلى معه ثم رجع إلى قومه فقرأ سورة البقرة‏,‏ فتأخر رجل فصلى وحده فقيل له‏:‏ نافقت يا فلان قال‏:‏ ما نافقت ولكن لآتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأخبره‏,‏ فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم- فذكر له ذلك فقال‏:‏ أفتان أنت يا معاذ‏؟‏ أفتان أنت يا معاذ‏؟‏ مرتين اقرأ سورة كذا وسورة كذا قال‏:‏ وسورة ذات البروج‏,‏ ‏{‏والليل إذا يغشى‏}‏ ‏{‏والسماء والطارق‏}‏ و‏{‏هل أتاك حديث الغاشية‏}‏‏)‏ متفق عليه ولم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- الرجل بالإعادة‏,‏ ولا أنكر عليه فعله والأعذار التي يخرج لأجلها مثل المشقة بتطويل الإمام‏,‏ أو المرض أو خشية غلبة النعاس أو شيء يفسد صلاته‏,‏ أو خوف فوات مال أو تلفه أو فوت رفقته أو من يخرج من الصف لا يجد من يقف معه‏,‏ وأشباه هذا وإن فعل ذلك لغير عذر ففيه روايتان‏:‏ إحداهما تفسد صلاته لأنه ترك متابعة إمامه لغير عذر‏,‏ أشبه ما لو تركها من غير نية المفارقة والثانية‏:‏ تصح لأنه لو نوى المنفرد كونه مأموما لصح في رواية فنية الانفراد أولى فإن المأموم قد يصير منفردا بغير نية‏,‏ وهو المسبوق إذا سلم إمامه وغيره لا يصير مأموما بغير نية بحال‏.‏

فصل

وإن أحرم مأموما ثم صار إماما‏,‏ أو نقل نفسه إلى الائتمام بإمام آخر جاز في موضع واحد وهو إذا سبق الإمام الحدث‏,‏ فاستخلف من يتم بهم الصلاة وقد ذكرنا هذا ولا يصح في غيره إلا أن يدرك اثنان بعض الصلاة مع الإمام‏,‏ فلما سلم ائتم أحدهما بصاحبه في بقية الصلاة ففيه وجهان وإن نوى كل واحد منهما أنه إمام صاحبه أو مأموم له‏,‏ فسدت صلاتهما لما ذكرناه من قبل وإن نوى الإمام الائتمام بغيره لم يصح إلا في موضع واحد وهو إذا استخلف الإمام من يصلي ثم جاء في أثناء الصلاة‏,‏ فتقدم فصار إماما وبنى على صلاة خليفته وفي ذلك ثلاث روايات‏,‏ قد ذكرناها‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ومن أدرك الإمام راكعا فركع دون الصف ثم مشى حتى دخل في الصف وهو لا يعلم بقول النبي - صلى الله عليه وسلم- لأبي بكرة‏:‏ ‏(‏زادك الله حرصا ولا تعد‏)‏ قيل له‏:‏ لا تعد وقد أجزأته صلاته‏,‏ فإن عاد بعد النهى لم تجزئه صلاته ونص أحمد -رحمه الله- ‏,‏ على هذا في رواية أبي طالب‏]‏ وجملة ذلك أن من ركع دون الصف ثم دخل فيه‏,‏ لا يخلو من ثلاثة أحوال‏:‏ إما أن يصلي ركعة كاملة فلا تصح صلاته لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا صلاة لفرد خلف الصف‏)‏ والثاني أن يدب راكعا حتى يدخل في الصف قبل رفع الإمام رأسه من الركوع‏,‏ أو أن يأتي آخر فيقف معه قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع فإن صلاته تصح لأنه أدرك مع الإمام في الصف ما يدرك به الركعة وممن رخص في ركوع الرجل دون الصف زيد بن ثابت وفعله ابن مسعود وزيد بن وهب‏,‏ وأبو بكر بن عبد الرحمن وعروة وسعيد بن جبير‏,‏ وابن جريج وجوزه الزهري والأوزاعي ومالك‏,‏ والشافعي إذا كان قريبا من الصف الحال الثالث إذا رفع رأسه من الركوع‏,‏ ثم دخل في الصف أو جاء آخر فوقف معه قبل إتمام الركعة فهذه الحال التي يحمل عليها قول الخرقي‏:‏ ‏"‏ ونص أحمد ‏"‏ فمتى كان جاهلا بتحريم ذلك‏,‏ صحت صلاته وإن علم لم تصح وروى أبو داود‏,‏ عن أحمد أنه يصح ولم يفرق وهذا مذهب مالك‏,‏ والشافعي وأصحاب الرأي لأن أبا بكرة فعل ذلك وفعله من ذكرنا من الصحابة ولنا‏,‏ ما روى أن أبا بكرة انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف فذكر ذلك للنبى - صلى الله عليه وسلم- فقال‏:‏ ‏(‏زادك الله حرصا ولا تعد‏)‏ رواه البخاري‏,‏ ورواه أبو داود ولفظه‏:‏ أن أبا بكرة جاء ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- راكع فركع دون الصف‏,‏ ثم مشى إلى الصف فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم- الصلاة قال‏:‏ ‏(‏أيكم الذي ركع دون الصف‏,‏ ثم مشى إلى الصف‏؟‏ فقال أبو بكرة‏:‏ أنا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ زادك الله حرصا ولا تعد‏)‏ فلم يأمره بإعادة الصلاة ونهاه عن العود‏,‏ والنهى يقتضي الفساد فإن قيل‏:‏ إنما نهاه عن التهاون والتخلف عن الصلاة قلنا‏:‏ إنما يعود النهى إلى المذكور والمذكور الركوع دون الصف ولم ينسبه النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى التهاون‏,‏ وإنما نسبه إلى الحرص ودعا له بالزيادة فيه فكيف ينهاه عن التهاون‏,‏ وهو منسوب إلى ضده‏؟‏ وروي عن أحمد -رحمه الله- رواية أخرى‏,‏ أنها لا تصح صلاته عالما كان أو جاهلا لأنه لم يدرك في الصف ما يدرك به الركعة أشبه ما لو صلى ركعة كاملة‏,‏ وعلى هذا يحمل حديث أبي بكرة على أنه دخل في الصف قبل رفع النبي - صلى الله عليه وسلم- رأسه وقد قال أبو هريرة‏:‏ لا يركع أحدكم حتى يأخذ مقامه من الصف ولم يفرق القاضي في هذه المسألة بين من رفع رأسه من الركوع ثم دخل‏,‏ وبين من دخل فيه راكعا وكذلك كلام أحمد والخرقي ولا تفريق فيه‏,‏ والدليل يقتضي التفريق فيحمل كلامهم عليه وقد ذكره أبو الخطاب نحوا مما ذكرنا‏.‏

فصل

وإن فعل هذا لغير عذر‏,‏ ولا خشى الفوات ففيه وجهان‏:‏ أحدهما يجزئه لأنه لو لم يجز مطلقا لم يجز حال العذر‏,‏ كالركعة كلها والثاني لا يجزئه لأن الأصل أن لا يجوز لكونه يفوته في الصف ما تفوته الركعة بفواته وإنما أبيح في المعذور لحديث أبي بكرة‏,‏ ففي غيره يبقى على الأصل‏.‏

فصل

إذا أحس بداخل وهو في الركوع يريد الصلاة معه‏,‏ وكانت الجماعة كثيرة كره انتظاره لأنه يبعد أن يكون فيهم من لا يشق عليه وإن كانت الجماعة يسيرة‏,‏ وكان انتظاره يشق عليهم كره أيضا لأن الذين معه أعظم حرمة من الداخل فلا يشق عليهم لنفعه‏,‏ وإن لم يشق لكونه يسيرا فقد قال أحمد‏:‏ ينتظره ما لم يشق على من خلفه وهذا مذهب أبي مجلز والشعبي‏,‏ والنخعي وعبد الرحمن بن أبي ليلى وإسحاق‏,‏ وأبي ثور وقال الأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة‏:‏ لا ينتظره لأن انتظاره تشريك في العبادة‏,‏ فلا يشرع كالرياء ولنا أنه انتظار ينفع ولا يشق‏,‏ فشرع كتطويل الركعة وتخفيف الصلاة وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يطيل الركعة الأولى حتى لا يسمع وقع قدم وأطال السجود حين ركب الحسن على ظهره‏,‏ وقال‏:‏ ‏(‏إن ابنى هذا ارتحلنى فكرهت أن أعجله‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏إني لأسمع بكاء الصبى وأنا في الصلاة فأخففها كراهة أن أشق على أمه‏)‏ وقال‏:‏ ‏(‏من أم الناس فليخفف فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة‏)‏ وشرع الانتظار في صلاة الخوف لتدركه الطائفة الثانية ولأن منتظر الصلاة في صلاة وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم- ينتظر الجماعة‏,‏ فقال جابر‏:‏ ‏(‏كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يصلي العشاء أحيانا وأحيانا إذا رآهم قد اجتمعوا عجل وإذا رآهم قد أبطئوا أخر‏)‏ وبهذا كله يبطل ما ذكروه من التشريك قال القاضي‏:‏ والانتظار جائز‏,‏ غير مستحب وإنما ينتظر من كان ذا حرمة كأهل العلم ونظرائهم من أهل الفضل‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وسترة الإمام سترة لمن خلفه‏]‏ وجملته أنه يستحب للمصلى أن يصلي إلى سترة‏,‏ فإن كان في مسجد أو بيت صلى إلى الحائط أو سارية وإن كان في فضاء صلى إلى شيء شاخص بين يديه أو نصب بين يديه حربة أو عصا‏,‏ أو عرض البعير فصلى إليه أو جعل رحله بين يديه وسئل أحمد‏:‏ يصلي الراحل إلى سترة في الحضر والسفر‏؟‏ قال‏:‏ نعم مثل آخرة الرحل ولا نعلم في استحباب ذلك خلافا‏,‏ والأصل فيه ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان تركز له الحربة فيصلى إليها ويعرض البعير فيصلى إليه‏)‏ وروى أبو جحيفة ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- ركزت له العنزة فتقدم وصلى الظهر ركعتين‏,‏ يمر بين يديه الحمار والكلب لا يمنع‏)‏ متفق عليه وعن طلحة بن عبيد الله قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل‏,‏ فليصل ولا يبال من مر وراء ذلك‏)‏ أخرجه مسلم إذا ثبت هذا فإن سترة الإمام سترة لمن خلفه نص على هذا أحمد‏,‏ وهو قول أكثر أهل العلم كذلك قال ابن المنذر وقال الترمذي قال أهل العلم‏:‏ سترة الإمام سترة لمن خلفه قال أبو الزناد‏:‏ كل من أدركت من فقهاء المدينة الذين ينتهى إلى قولهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير‏,‏ والقاسم بن محمد وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد‏,‏ وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار وغيرهم‏,‏ يقولون‏:‏ سترة الإمام سترة لمن خلفه وروى ذلك عن ابن عمر وبه قال النخعي والأوزاعي ومالك‏,‏ والشافعي وغيرهم وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى إلى سترة ولم يأمر أصحابه بنصب سترة أخرى وفي حديث عن ابن عباس‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏أقبلت راكبا على حمار أتان والنبي - صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض أهل الصف‏,‏ فنزلت فأرسلت الأتان ترتع فدخلت في الصف‏,‏ فلم ينكر على أحد‏)‏ متفق عليه ومعنى قولهم‏:‏ سترة الإمام سترة لمن خلفه أنه متى لم يحل بين الإمام وسترته شيء يقطع الصلاة فصلاة المأمومين صحيحة لا يضرها مرور شيء بين أيديهم في بعض الصف‏,‏ ولا فيما بينهم وبين الإمام وإن مر ما يقطع الصلاة بين الإمام وسترته قطع صلاته وصلاتهم وقد دل على هذا ما روى عمرو بن شعيب‏,‏ عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏(‏هبطنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم- من ثنية أذاخر فحضرت الصلاة - يعنى فصلى إلى جدر - فاتخذها قبلة‏,‏ ونحن خلفه فجاءت بهمة تمر بين يديه فما زال يدرؤها حتى لصق بطنه بالجدر‏,‏ فمرت من ورائه‏)‏ رواه أبو داود فلولا أن سترته سترة لهم لم يكن بين مرورها بين يديه وخلفه فرق‏.‏

فصل

وقدر السترة في طولها ذراع أو نحوه قال الأثرم‏:‏ سئل أبو عبد الله عن آخرة الرحل كم مقدارها‏؟‏ قال‏:‏ ذراع كذا قال عطاء‏:‏ ذراع وبهذا قال الثوري وأصحاب الرأي وروي عن أحمد أنها قدر عظم الذراع وهذا قول مالك‏,‏ والشافعي والظاهر أن هذا على سبيل التقريب لا التحديد لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قدرها بآخرة الرحل وآخرة الرحل تختلف في الطول والقصر فتارة تكون ذراعا‏,‏ وتارة تكون أقل منه فما قارب الذراع أجزأ الاستتار به والله أعلم فأما قدرها في الغلظ والدقة فلا حد له نعلمه‏,‏ فإنه يجوز أن تكون دقيقة كالسهم والحربة وغليظة كالحائط فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يستتر بالعنزة وقال أبو سعيد‏:‏ كنا نستتر بالسهم والحجر في الصلاة وروي عن سبرة‏,‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏استتروا في الصلاة ولو بسهم‏)‏ رواه الأثرم وقال الأوزاعي‏:‏ يجزئه السهم والسوط قال أحمد‏:‏ وما كان أعرض فهو أعجب إلى وذلك لأن قوله ‏"‏ ولو بسهم ‏"‏ يدل على أن غيره أولى منه‏.‏

فصل

ويستحب للمصلى أن يدنو من سترته لما روى سهل بن أبي حثمة يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها‏,‏ لا يقطع الشيطان عليه صلاته‏)‏ رواه أبو داود وعن أبي سعيد قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها‏)‏ رواه الأثرم وعن سهل بن سعد‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏كان بين النبي - صلى الله عليه وسلم- وبين القبلة ممر الشاة‏)‏ رواه البخاري وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏ارهقوا القبلة‏)‏ رواه الأثرم وذكر الخطابي في ‏"‏ معالم السنن ‏"‏ أن مالك بن أنس كان يصلي يوما متنائيا عن السترة فمر به رجل لا يعرفه فقال‏:‏ يا أيها المصلي‏,‏ ادن من سترتك فجعل مالك يتقدم وهو يقرأ‏:‏ ‏(‏وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما‏)‏ ولأن قربه من السترة أصون لصلاته وأبعد من أن يمر بينه وبينها شيء يحول بينه وبينها إذا ثبت هذا فإنه يجعل بينه وبين سترته ثلاثة أذرع فما دون قال مهنا‏:‏ سألت أبا عبد الله عن الرجل يصلي كم ينبغي أن يكون بينه وبين القبلة‏؟‏ قال يدنو من القبلة ما استطاع ثم قال بعد‏:‏ إن ابن عمر‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏صلى النبي - صلى الله عليه وسلم- في الكعبة فكان بينه وبين الحائط ثلاثة أذرع‏)‏ قال الميمونى‏:‏ فقد رأيتك على نحو من أربعة قال‏:‏ بالسهو وكان عبد الله بن مغفل يجعل بينه وبين سترته ستة أذرع قال عطاء‏:‏ أقل ما يكفيك ثلاثة أذرع وبه قال الشافعي لخبر ابن عمر عن بلال ‏(‏‏,‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى في مقدم البيت‏,‏ وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع‏)‏ وكلما دنا فهو أفضل لما ذكرنا من الأخبار والمعنى‏.‏

فصل

ولا بأس أن يستتر ببعير أو حيوان وفعله ابن عمر وأنس وحكي عن الشافعي‏,‏ أنه لا يستتر بدابة ‏.‏

ولنا ما روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى إلى بعير رواه البخاري‏,‏ ومسلم وفي لفظ‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يعرض راحلته ويصلى إليها قال‏:‏ قلت‏:‏ فإذا ذهب الركاب‏؟‏ قال‏:‏ يعرض الرحل ويصلى إلى آخرته‏,‏ فإن استتر بإنسان فلا بأس فإنه يقوم مقام غيره من السترة‏)‏ وقد روي عن حميد بن هلال قال‏:‏ رأى عمر بن الخطاب رجلا يصلي‏,‏ والناس يمرون بين يديه فولاه ظهره وقال بثوبه هكذا‏,‏ وبسط يديه هكذا وقال‏:‏ صل ولا تعجل وعن نافع قال‏:‏ كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلا إلى سارية من سوارى المسجد‏,‏ قال‏:‏ ولنى ظهرك رواهما النجاد بإسناده‏.‏

فصل

فإن لم يجد سترة خط خطا وصلى إليه وقام ذلك مقام السترة‏,‏ نص عليه أحمد وبه قال سعيد بن جبير والأوزاعي وأنكر مالك الخط والليث بن سعد‏,‏ وأبو حنيفة وقال الشافعي بالخط بالعراق وقال بمصر‏:‏ لا يخط المصلى خطا إلا أن يكون فيه سنة تتبع ولنا‏,‏ ما روى أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فإن لم يجد فلينصب عصا‏,‏ فإن لم تكن معه عصا فليخط خطا ثم لا يضره من مر أمامه‏)‏ رواه أبو داود وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم- أولى أن تتبع‏.‏

فصل

وصفة الخط مثل الهلال قال أبو داود‏:‏ سمعت أحمد بن حنبل يقول غير مرة وسئل عن الخط فقال‏:‏ هكذا عرضا مثل الهلال قال‏:‏ وسمعت مسددا‏,‏ قال‏:‏ قال ابن داود‏:‏ الخط بالطول وقال في رواية الأثرم‏:‏ قالوا‏:‏ طولا وقالوا‏:‏ عرضا وقال‏:‏ أما أنا فأختار هذا ودور بإصبعه مثل القنطرة وكيف ما خطه أجزأه فقد نقل حنبل‏,‏ أنه قال‏:‏ إن شاء معترضا وإن شاء طولا وذلك لأن الحديث مطلق في الخط‏,‏ فكيف ما أتى به فقد أتى بالخط فيجزئه ذلك والله أعلم‏.‏

فصل

وإن كان معه عصا فلم يمكنه نصبها فقال الأثرم‏:‏ قلت لأحمد‏:‏ الرجل يكون معه عصا‏,‏ لم يقدر على غرزها فألقاها بين يديه أيلقيها طولا أم عرضا‏؟‏ قال‏:‏ لا‏,‏ بل عرضا وكذلك قال سعيد بن جبير والأوزاعي وكرهه النخعي ولنا أن هذا في معنى الخط‏,‏ فيقوم مقامه وقد ثبت استحباب الخط بالحديث الذي رويناه‏.‏

فصل

وإذا صلى إلى عود أو عمود أو شيء في معناهما استحب له أن ينحرف عنه‏,‏ ولا يصمد له صمدا لما روى أبو داود عن المقداد بن الأسود قال‏:‏ ‏(‏ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صلى إلى عود أو إلى عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر‏,‏ ولا يصمد له صمدا أي لا يستقبله فيجعله وسطا‏)‏ ومعنى الصمد‏:‏ القصد‏.‏

فصل

تكره الصلاة إلى المتحدثين لئلا يشتغل بحديثهم واختلف في الصلاة إلى النائم فروى أنه يكره‏,‏ وروى ذلك عن ابن مسعود وسعيد بن جبير وعن أحمد ما يدل على أنه يكره في الفريضة خاصة ولا يكره في التطوع لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي من الليل وعائشة معترضة بين يديه كاعتراض الجنازة متفق عليه قال أحمد‏:‏ هذا في التطوع‏,‏ والفريضة أشد وقد روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة إلى النائم والمتحدث رواه أبو داود فخرج التطوع من عمومه لحديث عائشة بقي الفرض على مقتضى العموم وقيل‏:‏ لا يكره فيهما لأن حديث عائشة صحيح‏,‏ وحديث النهى ضعيف قاله الخطابي وقد قال أحمد‏:‏ لا فرق بين الفريضة والنافلة إلا في صلاة الراكب وتقديم قياس الخبر الصحيح أولى من الخبر الضعيف‏.‏

فصل

ويكره أن يصلي مستقبلا وجه إنسان لأن عمر أدب على ذلك وفي حديث عائشة ‏(‏‏,‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي حذاء وسط السرير وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة تكون لي الحاجة فأكره أن أقوم فأستقبله‏,‏ فأنسل انسلالا‏)‏ متفق عليه ولأنه شبه السجود لذلك الشخص ويكره أن يصلي إلى نار قال أحمد‏:‏ إذا كان التنور في قبلته لا يصلي إليه وكره ابن سيرين ذلك وقال أحمد في السراج والقنديل يكون في القبلة‏:‏ أكرهه وأكره كل شيء حتى كانوا يكرهون أن يجعلوا شيئا في القبلة حتى المصحف وإنما كره ذلك لأن النار تعبد من دون الله‏,‏ فالصلاة إليها تشبه الصلاة لها وقال أحمد‏:‏ لا تصل إلى صورة منصوبة في وجهك وذلك لأن الصورة تعبد من دون الله وقد روي عن عائشة قالت‏:‏ كان لنا ثوب فيه تصاوير‏,‏ فجعلته بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي فنهانى أو قالت‏:‏ كره ذلك رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم بإسناده ولأن التصاوير تشغل المصلى بالنظر إليها‏,‏ وتذهله عن صلاته وقال أحمد‏:‏ يكره أن يكون في القبلة شيء معلق مصحف أو غيره ولا بأس أن يكون موضوعا بالأرض وقد روى مجاهد‏,‏ قال‏:‏ لم يكن عبد الله بن عمر يدع شيئا بينه وبين القبلة إلا نزعه لا سيفا ولا مصحفا رواه الخلال بإسناده قال أحمد‏:‏ ولا يكتب في القبلة شيء وذلك لأنه يشغل قلب المصلي‏,‏ وربما اشتغل بقراءته عن صلاته وكذلك يكره تزويقها وكل ما يشغل المصلى عن صلاته‏,‏ وقد روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى في خميصة لها أعلام فلما قضى صلاته قال‏:‏ ‏(‏اذهبوا بهذه إلى أبي جهم بن حذيفة‏,‏ فإنها ألهتنى آنفا عن صلاتى وأتونى بأنبجانيته‏)‏ متفق عليه وروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة‏:‏ ‏(‏أميطى عنا قرامك فإنه لا يزال تصاويره تعرض لي في صلاتي‏)‏ رواه البخاري وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم- مع ما أيده الله تعالى به من العصمة والخشوع يشغله ذلك‏,‏ فغيره من الناس أولى‏.‏

فصل

ويكره أن يصلي وأمامه امرأة تصلي لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أخروهن من حيث أخرهن الله‏)‏ فأما في غير الصلاة فلا يكره لخبر عائشة وروى أبو حفص بإسناده عن أم سلمة‏,‏ قالت‏:‏ كان فراشى حيال مصلى النبي - صلى الله عليه وسلم- وإن كانت عن يمينه أو يساره لم يكره وإن كانت في صلاة وكره أحمد أن يصلي وبين يديه كافر وروى ذلك عن إسحاق لأن المشركين نجس‏.‏

فصل

ولا بأس أن يصلي بمكة إلى غير سترة‏,‏ وروى ذلك عن ابن الزبير وعطاء ومجاهد قال الأثرم‏,‏ قيل لأحمد‏:‏ الرجل يصلي بمكة ولا يستتر بشيء‏؟‏ فقال‏:‏ قد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه صلى ثم ليس بينه وبين الطواف سترة قال أحمد‏:‏ لأن مكة ليست كغيرها كأن مكة مخصوصة وذلك لما روى كثير بن كثير بن المطلب‏,‏ عن أبيه عن جده المطلب قال‏:‏ رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي حيال الحجر‏,‏ والناس يمرون بين يديه رواه الخلال بإسناده وروى الأثرم بإسناده عن المطلب قال‏:‏ رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من سعيه‏,‏ جاء حتى يحاذي الركن بينه وبين السقيفة فصلى ركعتيه في حاشية المطاف وليس بينه وبين الطواف أحد وقال ابن أبي عمار‏:‏ رأيت ابن الزبير جاء يصلي‏,‏ والطواف بينه وبين القبلة تمر المرأة بين يديه فينتظرها حتى تمر‏,‏ ثم يضع جبهته في موضع قدمها رواه حنبل في كتاب ‏"‏ المناسك ‏"‏ وقال المعتمر قلت لطاوس‏:‏ الرجل يصلي - يعنى بمكة - فيمر بين يديه الرجل والمرأة‏؟‏ فقال‏:‏ أولا يرى الناس بعضهم بعضا وإذا هو يرى أن لهذا البلد حالا ليس لغيره من البلدان‏,‏ وذلك لأن الناس يكثرون بمكة لأجل قضاء نسكهم ويزدحمون فيها ولذلك سميت بكة‏,‏ لأن الناس يتباكون فيها أي‏:‏ يزدحمون ويدفع بعضهم بعضا فلو منع المصلى من يجتاز بين يديه لضاق على الناس‏,‏ وحكم الحرم كله حكم مكة في هذا بدليل ما روى ابن عباس قال‏:‏ أقبلت راكبا على حمار أتان‏,‏ والنبي - صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار متفق عليه ولأن الحرم كله محل المشاعر والمناسك فجرى مجرى مكة في ما ذكرناه

فصل

ولو صلى في غير مكة إلى غير سترة لم يكن به بأس‏,‏ لما روى ابن عباس قال‏:‏ صلى النبي - صلى الله عليه وسلم- في فضاء ليس بين يديه شيء رواه البخاري وروي عن الفضل بن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أتاهم في باديتهم فصلى إلى غير سترة ولأن السترة ليست شرطا في الصلاة‏,‏ وإنما هي مستحبة قال أحمد في الرجل يصلي في فضاء ليس بين يديه سترة ولا خط‏:‏ صلاته جائزة وقال‏:‏ أحب أن يفعل فإن لم يفعل يجزئه‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ومن مر بين يدي المصلى فليردده‏]‏ وجملته أنه ليس لأحد أن يمر بين يدي المصلى إذا لم يكن بين يديه سترة‏,‏ فإن كانت بين يديه سترة لم يمر أحد بينه وبينها لما روى أبو جهم الأنصاري قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لو يعلم المار بين يدي المصلى ماذا عليه من الإثم‏,‏ لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه‏)‏ متفق عليه ولمسلم‏:‏ ‏(‏لأن يقف أحدكم مائة عام خير له من أن يمر بين يدي أخيه وهو يصلي‏)‏ وقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم- الذي يمر بين يدي المصلى شيطانا وأمر برده ومقاتلته وروي عن يزيد بن نمران أنه قال‏:‏ رأيت رجلا بتبوك مقعدا فقال‏:‏ ‏(‏مررت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأنا على حمار وهو يصلي‏,‏ فقال‏:‏ اللهم اقطع أثره فما مشيت عليها بعد‏)‏ رواه أبو داود وفي لفظ قال‏:‏ ‏(‏قطع صلاتنا قطع الله أثره‏)‏ وإن أراد أحد المرور بين يدي المصلى فله منعه في قول أكثر أهل العلم منهم ابن مسعود‏,‏ وابن عمر وسالم وهو قول الشافعي وأبي ثور‏,‏ وأصحاب الرأي ولا أعلم فيه خلافا والأصل فيه ما روى أبو سعيد قال‏:‏ سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏إذا كان أحدكم يصلي إلى شيء يستره من الناس‏,‏ فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبي فليقاتله‏,‏ فإنما هو شيطان‏)‏ متفق عليه ورواه أبو داود ولفظ روايته‏:‏ ‏(‏إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه وليدرأه ما استطاع‏,‏ فإن أبي فليقاتله فإنما هو شيطان‏)‏ ومعناه‏:‏ أي ليدفعه وهذا في أولى الأمر لا يزيد على دفعه فإن أبى‏,‏ ولج فليقاتله أي يعنفه في دفعه من المرور‏,‏ فإنما هو شيطان أي فعله فعل الشيطان أو الشيطان يحمله على ذلك وقيل معناه‏:‏ أن معه شيطانا وأكثر الروايات عن أبي عبد الله‏,‏ أن المار بين يدي المصلى إذا لج في المرور وأبي الرجوع أن المصلى يشتد عليه في الدفع‏,‏ ويجتهد في رده ما لم يخرجه ذلك إلى إفساد صلاته بكثرة العمل فيها وروى عنه أنه قال‏:‏ يدرأ ما استطاع وأكره القتال في الصلاة وذلك لما يفضي إليه من الفتنة وفساد الصلاة‏,‏ والنبي - صلى الله عليه وسلم- إنما أمر برده ودفعه حفظا للصلاة عما ينقصها فيعلم أنه لم يرد ما يفسدها ويقطعها بالكلية فيحمل لفظ المقاتلة على دفع أبلغ من الدفع الأول والله أعلم وقد روت أم سلمة قالت‏:‏ ‏(‏كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يصلي في حجرة أم سلمة‏,‏ فمر بين يديه عبد الله أو عمر بن أبي سلمة فقال بيده فرجع‏,‏ فمرت زينب بنت أم سلمة فقال بيده هكذا فمضت‏,‏ فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ هن أغلب‏)‏ رواه ابن ماجه وهذا يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يجتهد في الدفع

فصل

يستحب أن يرد ما مر بين يديه من كبير وصغير وإنسان وبهيمة لما روينا من رد النبي - صلى الله عليه وسلم- عمر وزينب وهما صغيران وفي حديث عمرو بن شعيب‏,‏ عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى إلى جدر‏,‏ فاتخذه قبلة ونحن خلفه فجاءت بهيمة تمر بين يديه فما زال يدرأ بها حتى لصق بطنه بالجلد‏,‏ فمرت من ورائه‏.‏

فصل

فإن مر بين يديه إنسان فعبر لم يستحب رده من حيث جاء وهذا قول الشعبي والثوري‏,‏ وإسحاق وابن المنذر وروي عن ابن مسعود أنه يرده من حيث جاء‏,‏ وفعله سالم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر برده فتناول العابر ولنا أن هذا مرور ثان‏,‏ فينبغي أن لا ينسب إليه كالأول ولأن المار لو أراد أن يعود من حيث جاء لكان مأمورا بمنعه ولم يحل للعابر العود‏,‏ والحديث لم يتناول العابر إنما في الخبر‏:‏ ‏(‏فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه‏)‏ وبعد العبور فليس هذا مريدا للاجتياز‏.‏

فصل

والمرور بين يدي المصلى ينقص الصلاة ولا يقطعها قال أحمد‏:‏ يضع من صلاته ولكن لا يقطعها وروي عن ابن مسعود‏,‏ أن ممر الرجل يضع نصف الصلاة وكان عبد الله إذا مر بين يديه رجل التزمه حتى يرده رواه البخاري بإسناده قال القاضي‏:‏ ينبغي أن يحمل نقص الصلاة على من أمكنه الرد فلم يفعله أما إذا رد فلم يمكنه الرد فصلاته تامة لأنه لم يوجد منه ما ينقص الصلاة فلا يؤثر فيها ذنب غيره‏.‏

فصل

ولا بأس بالعمل اليسير في الصلاة للحاجة قال أحمد‏:‏ لا بأس أن يحمل الرجل ولده في الصلاة الفريضة لحديث أبي قتادة‏,‏ وحديث عائشة أنها استفتحت الباب فمشى النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو في الصلاة حتى فتح لها وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- بقتل الأسودين في الصلاة فإذا رأى العقرب خطا إليها‏,‏ وأخذ النعل وقتلها ورد النعل إلى موضعها لأن ابن عمر نظر إلى ريشة فحسبها عقربا‏,‏ فضربها بنعله وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه التحف بإزاره وهو في الصلاة فلا بأس إن سقط رداء الرجل أن يرفعه وإن انحل إزاره أن يشده وإذا عتقت الأمة وهي تصلي اختمرت‏,‏ وبنت على صلاتها وقال‏:‏ من فعل كفعل أبي برزة حين مشى إلى الدابة وقد أفلتت منه فصلاته جائزة وهذا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- هو المشرع‏,‏ فما فعله أو أمر به فلا بأس به ومثل هذا ما روى سهل بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى على منبره‏,‏ فإذا أراد أن يسجد نزل عن المنبر فسجد بالأرض ثم رجع إلى المنبر كذلك حتى قضى صلاته وحديث جابر في صلاة الكسوف‏,‏ قال‏:‏ ثم تأخر وتأخرت الصفوف خلفه حتى انتهينا إلى النساء‏,‏ ثم تقدم وتقدم الناس معه حتى قام في مقامه متفق عليه وعن أبي بكرة‏,‏ قال‏:‏ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا فكان الحسن بن على يجيء وهو صغير فكان كلما سجد النبي - صلى الله عليه وسلم- وثب على ظهره‏,‏ ويرفع النبي - صلى الله عليه وسلم- رأسه رفعا رفيقا حتى يضعه بالأرض رواه الأثرم وحديث عمرو بن شعيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يزل يدارئ البهمة حتى لصق بالجدر وحديث أبي سعيد بالأمر بدفع المار بين يدي المصلى ومقاتلته إذا أبي الرجوع فكل هذا وأشباهه لا بأس به في الصلاة‏,‏ ولا يبطلها ولو فعل هذا لغير حاجة كره‏,‏ ولا يبطلها أيضا ولا يتقدر الجائز من هذا بثلاث ولا بغيرها من العدد لأن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- الظاهر منه زيادته على ثلاث كتأخره حتى تأخر الرجال فانتهوا إلى النساء وفي حمله أمامة ووضعها في كل ركعة‏,‏ وهذا في الغالب يزيد على ثلاثة أفعال وكذلك مشى أبي برزة مع دابته ولأن التقدير بابه التوقيف وهذا لا توقيف فيه‏,‏ ولكن يرجع في الكثير واليسير إلى العرف فيما يعد كثيرا أو يسيرا وكل ما شابه فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- فهو معدود يسيرا وإن فعل أفعالا متفرقة لو جمعت كانت كثيرة‏,‏ وكل واحد منها بمفرده يسير فهي في حد اليسير بدليل حمل النبي - صلى الله عليه وسلم- لأمامة في كل ركعة ووضعها وما كثر وزاد على فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- أبطل الصلاة سواء كان لحاجة أو غيرها إلا أن يكون لضرورة‏,‏ فيكون حكمه حكم الخائف فلا تبطل صلاته به وإن احتاج إلى الفعل الكثير في الصلاة لغير ضرورة‏,‏ قطع الصلاة وفعله قال أحمد‏:‏ إذا رأى صبيين يقتتلان يتخوف أن يلقى أحدهما صاحبه في البئر‏,‏ فإنه يذهب إليهما فيخلصهما ويعود في صلاته وقال‏:‏ إذا لزم رجل رجلا فدخل المسجد‏,‏ وقد أقيمت الصلاة فلما سجد الإمام خرج الملزوم فإن الذي كان يلزمه يخرج في طلبه يعنى‏:‏ ويبتدئ الصلاة وهكذا لو رأى حريقا يريد إطفاءه‏,‏ أو غريقا يريد إنقاذه خرج إليه وابتدأ الصلاة ولو انتهى الحريق إليه‏,‏ أو السيل وهو في الصلاة ففر منه‏,‏ بنى على صلاته وأتمها صلاة خائف لما ذكرنا من قبل والله أعلم‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ولا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود البهيم‏]‏ يعنى إذا مر بين يديه هذا المشهور عن أحمد -رحمه الله- ‏,‏ نقله الجماعة عنه قال الأثرم‏:‏ سئل أبو عبد الله ما يقطع الصلاة‏؟‏ قال لا يقطعها عندي شيء إلا الكلب الأسود البهيم وهذا قول عائشة وحكي عن طاوس وروي عن معاذ ومجاهد أنهما قالا‏:‏ الكلب الأسود البهيم شيطان وهو يقطع الصلاة ومعنى البهيم الذي ليس في لونه شيء سوى السواد وعن أحمد رواية أخرى أنه يقطعها الكلب الأسود‏,‏ والمرأة إذا مرت والحمار قال‏:‏ وحديث عائشة من الناس من قال‏:‏ ليس بحجة على هذا لأن المار غير اللابث وهو في التطوع‏,‏ وهو أسهل والفرض آكد وحديث ابن عباس‏:‏ مررت بين يدي بعض الصف ليس بحجة لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه وروى هذا القول عن أنس وعكرمة والحسن‏,‏ وأبي الأحوص ووجه هذا القول ما روى أبو هريرة قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏يقطع الصلاة المرأة والحمار‏,‏ والكلب ويقى ذلك مثل مؤخرة الرحل‏)‏ وعن أبي ذر قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا قام أحدكم يصلي‏,‏ فإنه يستره مثل آخرة الرحل فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة‏,‏ والكلب الأسود‏)‏ قال عبد الله بن الصامت‏:‏ يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر‏؟‏ قال‏:‏ يا ابن أخي سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كما سألتنى فقال ‏(‏الكلب الأسود شيطان‏)‏ رواهما مسلم‏,‏ وأبو داود وغيرهما وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- للذى مر بين يديه على حمار‏:‏ ‏"‏ قطع صلاتنا ‏"‏ وقد ذكرنا هذا الحديث وكان ابن عباس وعطاء يقولان‏:‏ يقطع الصلاة الكلب والمرأة الحائض ورواه ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أخرجه أبو داود وابن ماجه قال أبو داود‏:‏ رفعه شعبة‏,‏ ووقفه سعيد وهشام‏,‏ وهمام على ابن عباس وقال عروة والشعبي‏,‏ والثوري ومالك والشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي‏:‏ لا يقطع الصلاة شيء لما روى أبو سعيد قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا يقطع الصلاة شيء‏)‏ رواه أبو داود وعن الفضل بن عباس قال‏:‏ ‏(‏أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ونحن في بادية فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة‏,‏ وحمارة لنا وكلبة يعبثان بين يديه فما بالى ذلك‏)‏ رواه أبو داود وقالت عائشة‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي صلاته من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة‏)‏ وحديث ابن عباس‏:‏ ‏(‏أقبلت راكبا على حمار أتان‏,‏ والنبي - صلى الله عليه وسلم- يصلي فمررت على بعض الصف ونزلت‏,‏ فأرسلت الأتان ترتع فدخلت في الصف فلم ينكر على أحد‏)‏ متفق عليهما وحديث زينب بنت أم سلمة حين مرت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فلم يقطع صلاته وروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي‏,‏ فجاءت جاريتان من بنى عبد المطلب حتى أخذتا بركبتيه فقرع بينهما فما بالى ذلك ولنا‏,‏ حديث أبي هريرة وأبي ذر وحديث أبي سعيد‏:‏ ‏(‏لا يقطع الصلاة شيء‏)‏ يرويه مجالد بن سعيد وهو ضعيف‏,‏ فلا يعارض به الحديث الصحيح ثم حديثنا أخص فيجب تقديمه لصحته وخصوصه‏,‏ وحديث الفضل بن عباس في إسناده مقاتل ثم يحتمل أن الكلب لم يكن أسود ولا بهيما ويجوز أن يكونا بعيدين‏,‏ ثم هذه الأحاديث كلها في المرأة والحمار يعارض حديث أبي هريرة وأبي ذر فيهما‏,‏ فيبقى الكلب الأسود خاليا عن معارض فيجب القول به لثبوته وخلوه عن معارض ‏.‏

فصل

ولا يقطع الصلاة شيء سوى ما ذكرنا‏,‏ لا من الكلاب ولا من غيرها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- خصها بالذكر وقيل له‏:‏ ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ الكلب الأسود شيطان ‏"‏ وكذلك الكلب الأسود إذا لم يكن بهيما لم يقطع الصلاة لتخصيصه البهيم بالذكر ولقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها كل أسود بهيم‏,‏ فإنه شيطان‏)‏ فبين أن الشيطان هو الأسود البهيم قال ثعلب‏:‏ البهيم كل لون لم يخالطه لون آخر فهو بهيم فمتى كان فيه لون آخر فليس ببهيم وإن كان بين عينيه نكتتان يخالفان لونه لم يخرج بهذا عن كونه بهيما يتعلق به أحكام الأسود البهيم من قطع الصلاة‏,‏ وتحريم صيده وإباحة قتله فإنه قد روى في حديث‏:‏ ‏(‏عليكم بالأسود البهيم ذى الغرتين فإنه شيطان ‏)‏‏.‏

فصل

ولا فرق في بطلان الصلاة بين الفرض والتطوع لعموم الحديث في كل صلاة‏,‏ ولأن مبطلات الصلاة يتساوى فيها الفرض والتطوع في غير هذا فكذلك هذا وقد روي عن أحمد كلام يدل على التسهيل في التطوع‏,‏ والصحيح التسوية وقد قال أحمد‏:‏ يحتجون في حديث عائشة فإنه في التطوع وما أعلم بين التطوع والفريضة فرقا إلا أن التطوع يصلي على الدابة‏.‏

فصل

فإن كان الكلب الأسود البهيم واقفا بين يدي المصلي‏,‏ أو نائما ولم يمر بين يديه ففيه روايتان‏:‏ إحداهما تبطل لأنه بين يديه أشبه المار وقد قالت عائشة‏:‏ عدلتمونا بالكلاب والحمر وذكرت في معارضة ذلك ودفعه أنها كانت تكون معترضة بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي‏,‏ كاعتراض الجنازة فيدل ذلك على التسوية بينهما ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب‏)‏ ولم يذكر مرورا والثانية‏,‏ لا تبطل الصلاة به لأن الوقوف والنوم مخالف لحكم المرور بدليل أن عائشة كانت تنام بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فلا يكرهه ولا ينكره‏,‏ وقد قال في المار‏:‏ ‏"‏ لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه ‏"‏ وكان يصلي إلى البعير ولو مر بين يديه لم يدعه‏,‏ ولهذا منع البهيمة من المرور وكان ابن عمر يقول لنافع‏:‏ ولنى ظهرك ليستتر به ممن يمر بين يديه وقعد عمر بين يدي المصلى يستره من المرور فدل على أن الوقوف ليس في حكم المرور فلا يقاس عليه وقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏"‏ يقطع الصلاة ‏"‏ لا بد فيه من إضمار المرور أو غيره فيتعين حمله عليه‏.‏

فصل

ومن صلى إلى سترة فمر من ورائها ما يقطع الصلاة‏,‏ لم تنقطع وإن مر من ورائها غير ما يقطعها لم يكره لما مر من الأحاديث وإن مر بينه وبينها قطعها إن كان مما يقطعها‏,‏ كره إن كان مما لا يقطعها وإن لم يكن بين يديه سترة فمر بين يديه قريبا منه ما يقطعها قطعها‏,‏ وإن كان مما لا يقطعها كره وإن كان بعيدا‏,‏ لم يتعلق به حكم ولا أعلم أحدا من أهل العلم حد البعيد من ذلك ولا القريب إلا أن عكرمة قال‏:‏ إذا كان بينك وبين الذي يقطع الصلاة قذفة بحجر لم يقطع الصلاة وقد روى عبد بن حميد‏,‏ في ‏"‏ مسنده ‏"‏ وأبو داود في ‏"‏ سننه ‏"‏ عن عكرمة عن ابن عباس‏,‏ قال‏:‏ أحسبه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا صلى أحدكم إلى غير سترة فإنه يقطع صلاته الكلب والحمار والخنزير‏,‏ والمجوسى واليهودى والمرأة‏,‏ ويجزئ عنه إذا مروا بين يديه قذفة بحجر‏)‏ هذا لفظ رواية أبي داود وفي ‏"‏ مسند عبد بن حميد ‏"‏‏:‏ ‏"‏ والنصرانى والمرأة الحائض ‏"‏ وهذا الحديث لو ثبت لتعين المصير إليه‏,‏ غير أنه لم يجزم برفعه وفيه ما هو متروك بالإجماع وهو ما عدا الثلاثة المذكورة‏,‏ ولا يمكن تقييد ذلك بموضع السجود فإن قوله - صلى الله عليه وسلم- ‏"‏ إذا لم تكن بين يديه مثل آخرة الرحل قطع صلاته الكلب الأسود ‏"‏ يدل على أن ما هو أبعد من السترة تنقطع صلاته بمرور الكلب فيه والسترة تكون أبعد من موضع السجود‏,‏ والصحيح تحديد ذلك بما إذا مشى إليه ودفع المار بين يديه لا تبطل صلاته لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر بدفع المار بين يديه‏,‏ فتقيد لدلالة الإجماع بما يقرب منه بحيث إذا مشى إليه لم تبطل صلاته واللفظ في الحديثين واحد‏,‏ وقد تعذر حملهما على إطلاقهما وقد تقيد أحدهما بدلالة الإجماع بقيد فتقيد الآخر به والله أعلم‏.‏

فصل

إذا صلى إلى سترة مغصوبة‏,‏ فاجتاز وراءها كلب أسود فهل تنقطع صلاته‏؟‏ فيه وجهان ذكرهما ابن حامد‏:‏ أحدهما تبطل صلاته لأنه ممنوع من نصبها‏,‏ والصلاة إليها فوجودها كعدمها والثاني‏,‏ لا تبطل لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ يقى ذلك مثل آخرة الرحل ‏"‏ وهذا قد وجد وأصل الوجهين إذا صلى في ثوب مغصوب هل تصح صلاته‏؟‏ على روايتين‏.‏